إستعادة ضبط المصنع

ستقرأ عنوان هذه التدوينة وعلى الأرجح ستظن أنها عنوان تدوينة تقنية عن هذه الميزة في جهاز إلكتروني ما , هذه المرة سأكتب عن هذه الميزة  من ناحية أخرى , آراها كل يوم وكل لحظة

كثيراً ما يحدث خلل أو مشاكل تعود للعديد من الأسباب في نظام تشغيل أي جهاز إلكتروني  بدأً من أجهزة الهاتف المحمول إلى أعتى أجهزة الكومبيوتر , وكثيراً أيضاً ما نلجئ لحل هذه المشاكل إلى ميزة بسيطة خطيرة , هامة , بل أساسية تدعى إستعادة ضبط المصنع , تقوم هذه الميزة الرائعة بإستعادة ضبط هذا الجهاز الإلكتروني وإرجاع نظام تشغيله إلى نقطة الصفر , وأقصد بنقطة الصفر  , أي اللحظة التي قمت بتشغيل جهازك الإلكتروني فيها  لأول مرة …

نعم ,عند إستخدامك لهذه الميزة  والضغط على زر عملها , سيقوم نظام التشغيل الذي يعمل على هذا الجهاز الإلكتروني بحذف كل الملفات الخاصة بك ومسح كل الإعدادات التي قمت بترتيبها بغض النظر عن نوع هذه الملفات أو الإعدادات , فإستعادة ضبط المصنع تسمح للمستخدم بإعادة كل شيء لما كان عليه أول مرة إستخدم فيها هذا الجهاز , وأول مرة أي بدون ملفات , بدون إعدادات , بدون أي لمسة للمستخدم عليه 🙂

المشكلة التي تواجه أغلبنا في إستخدام هذه الميزة , هي حذف جميع ملفاتنا , مسح كل إعداداتنا , والعودة لنقطة البداية على هذه الأجهزة , وكأن شيئاً لم يكن …

لماذا هذه الميزة موجودة في معظم الأجهزة الإلكترونية ؟ , السبب الرئيسي لوجودها , هو معرفة شركات برمجة أنظمة التشغيل أن عمل المستخدمين المتكرر و تعديلاتهم المستمرة على أنظمة التشغيل هذه ستسبب في حالات كثيرة , درجة من عدم الإستقرار في هذه الأنظمة , وبالتالي ستحدث أخطاء ومشاكل كثيرة , ستمنع المستخدم من متابعة أعماله على هذه الأجهزة بشكل عادي , وسيحتاج إلى إستعادة جهازه الإلكتروني إلى حالة من الإستقرار تسمح له بالعودة للعمل من جديد , وهذه الحالة هي إستعادة ضبط المصنع

لا أريد الدخول في الأمور التقنية البحتة لهذه الميزة و لا أريد الغوص في النسخ الإحتياطية وإستعمالاتها لكنني قمت بشرح ما شرحته في الأعلى لغاية في نفسي ستبوح بها الأسطر القادمة

إذا كانت أي شركة برمجية تصنع نظم التشغيل في العالم , مؤمنة أن أنظمتها لن تعمل بإستقرار كامل إذا قام أحد المستخدمين بتعديلات كثيرة ومتكررة وغير مسؤولة كل يوم أثناء عمله على هذه الإنظمة , فكيف لا نؤمن نحن أن تعديلانا وتغييرنا للنظام الإلهي الذي خلقه الله لنا وفينا  ستكون كارثية بل مزلزلة لنا في أحيان أخرى …

إن حياة الإنسان تبدأ من الصفر , وله الحرية في إعدادها كما يشاء , فله الحق في إختيار طريقه , أصدقاءه , زوجته , دراسته , عمله , أسلوب حياته , يستطيع تغير مايشاء في أرضه , بيئته , بيته , وطنه وربما أحياناً يستطيع تغير نفسه ؟! … , لكنه لا يملك إستعادة ضبط المصنع , هذه الميزة ليست موجودة في الحياة , هي فقط في الأجهزة الإلكترونية , فأنت لا تستطيع يا صديقي العودة إلى نقطة الصفر في حياتك متى تشاء , ومعظم قراراتك التي تتخذها تأخذ الطابع المصيري , الطابع الذي لا يمكن العودة عنه أبداً , فما تختاره وتفعله أمر لا يمكنك إرجاعه , لا تملك سوى حياة واحدة , ونفس واحدة , وإختياراتك وقراراتك كلها ستكون لمرة واحدة فقط , وفي أحسن الأحوال لمرتين , والأمر الأهم أنه لا يمكنك مسح و حذف ما فعلته , يمكنك فقط أن تندم وترجوا العفو أو المغفرة ممن يملكها , وتبدأ من جديد في محاولة أن تكون هذه البداية أفضل وبدون أخطاء وأن تحمل في ثناياها مسحاً لما فعلت في المرة السابقة

ذاكرتك ليست كذاكرة هاتفك المحمول , تستطيع حذف و تخزين ما تشاء وقت ما تشاء , أنت لا تملك في الحقيقة أن تتذكر أو تنسى ما تريد , أنه أمر تابع للخالق الذي أنشئ ذاكرتك , فهو من صممها وأرادها بهذا الشكل , فهو من يقدر على أن يعطي الأوامر لهذه الذاكرة بالنسيان أو التذكر …

ولا تملك أيضاً أن تعيد نظامك الذي بدأته من الصفر إلى حالته الأولى , لديك محاولة واحدة فقط , فإما أن تكون أو لا تكون , والعامل الأهم الذي لن يرحمك , هو الوقت , فبينما تقرأ أنت هذه الكلمات هناك عقارب في الساعة تدق ووقت يمضي بلا رحمة ,لا تملك دائماً الوقت الكافي للعودة والبدء من جديد , الوقت ملكك في صرفه وتبذيره , ستتحمّل في النهاية ثمن مرور كل ثانية وستكون في لحظة ما أمام من صنع لك نظامك , فيكف ستسلمه , وبأي حالة سيكون , الأمر في النهاية عائد لك  ولك فقط …

لا شيء يعود كما كان عليه هو أمر أتفقنا عليه فماالحل ؟! , كل شيء يتغير لمرة لا يمكن أن تعيده لحالته الأولى , فالماء بعد أن يتبخر يصبح غيماً ليعود ويهطل مطراً ويبدأ من جديد , لكن الماء غير الماء والقطرة غير القطرة , البداية الجديدة  تعني دماً جديداً , أنظر لنفسك فأنت كما أنت , لكن بوعي مختلف ,  هذه المرة أصبحت تملك الخبرة الكافية في التعامل مع الظروف والأمور التي يمكن أن تحصل , هذه المرة ستكون أفضل بمراحل ,طالما أنك تملك القدرة على البدء من جديد فلا توفر لحظة للقيام بذلك , أختر قراراتك هذه المرة ولمرة واحدة , أفعل ما تريد فعله بشكل صحيح , ولمرة واحدة ,  ستتمكن من  تخصيص ما تريد تخصيصه ونشر طابعك ولمستك بشكل محترف أكثر , فتصرفاتك و أقوالك ستكون بميزان مختلف كونك أدركت فعلاً أن لك حياةً واحدةً فقط لا ضبط للمصنع فيها أبداً , جعل الله لك القرار فكن على قدر المسؤولية , أختر لنفسك الأفضل فهي تستحق منك ذلك وأحرص على تجنب الأفعال التي تؤثر عليها سلباً , لان الخلاص والشفاء منها أمر ليس بالسهل أبداً ..

2 thoughts on “إستعادة ضبط المصنع

اترك رداً على Mohammad Hayani إلغاء الرد